عهدي بحلب عامرة جداً غاصة بأهلها، كثيرة الخيرات على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشامات، الى ان إفتتحها نيقفور الروم، وكان لها سور من حجارة لم يغن عنهم من العدو شيئاً، بسوء تدبير سيف الدولة وما كان به من العلة، فأخرب جامعها، وسبى ذراري أهلها، وأحرقها، وكان لها قلعة غير طائلة ولا حسنة العمارة، لجأ إليها قوم من أهلها فنجوا، ونقل ما بها من المتاع والجهات للسلطان وأهل البلد وسبى بها، وقتل من أهل سوادها ما في إعادته إرماض لمن سمعه ووهن على الإسلام وأهله. وكانت لها أسواق حسنة وحمامات وفنادق ومحال وعراص فسيحة، ومشايخ وأهل جلة، وهي الآن كالمتماسكة. ولها واد يعرف بأبي الحسن قويق، وشرب أهلها منه، وفيه قليل طفس ولم تزل أسعارها في الأغذية وجميع المآكل قديماً واسعة رخيصة. وعليهم الآن للروم في كل سنة قانون يؤدونه وضريبة تستخرج من كل دار وضيعة معلومة، وكأنهم معهم في هدنة، وليست وإن كانت أحوالها متماسكة وأمورها راجية بحال جزء من عشرين جزءاً مما كانت عليه لمّا حللتها ضيفا على اميرها. وكان قد رأى في منامه كأن حية قد تطوقت على داره، فعظم عليه ذلك، فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ماء، فأمر بحفر يحفر بين داره، وبين قويق حتى أدار الماء حول الدار، وقضى الله أن الروم خرجوا، فصبحوا حلب، واستولوا على داره، وأخذوا منها أموالاً عظيمة، وذلك في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وخربت الدار، فعاد النهر إلى ما هو عليه الآن.